أصدقاء معًا تحت غروب الشمس، يرمزون إلى الوفاء والتغاضي في الصداقة

قَرينُك سَهمُك يُخْطِئ ويُصيب

في زحمة الحياة، قد تصيبنا خيباتٍ صغيرة من أحبّ الناس إلينا. لكن المدهش أن أجمل العلاقات لا تُبنى على الكمال، بل على القدرة على العفو والتغاضي. يأتي المثل العربي “قَرينُك سَهمُك يُخْطِئ ويُصيب” ليذكّرنا بأن كل إنسان، مهما كان قريبًا أو مخلصًا، قد يخطئ أحيانًا. فكما أن السهم لا يصيب الهدف دائماً، كذلك الصديق، الزوج، أو الرفيق، قد يخطئ، وقد يصيب. والحكمة ليست في العدّ والمحاسبة، بل في التغافل الذي يصون المودّة، ويحفظ للقلوب صفاءها.

معنى المثل: استعارة بليغة للحياة البشرية

عندما يقول العرب “قَرينُك سَهمُك يُخْطِئ ويُصيب”، فهم يرسمون لوحة بلاغية تختصر حقيقة عميقة. القرين هنا يعني الصديق أو الرفيق المقرب، والسهم رمز للأفعال والكلمات التي تصدر منه. كما أن الرامي الماهر قد يخطئ الهدف أحياناً رغم مهارته، كذلك الصديق الوفي قد يزل أو يخطئ، لكن هذا لا يلغي قيمته أو يقلل من شأن الصحبة الصالحة.

المعنى الأعمق يكمن في دعوة صريحة إلى التسامح والحكمة، فالحياة ليست ميدان محاسبة على كل هفوة، بل رحلة نحتاج فيها إلى أثر الرفيق الإيجابي رغم عيوبه الطبيعية.

التغاضي: فن الحكماء وقوة العقلاء

التغاضي ليس ضعفاً أو استسلاماً كما يظن البعض، بل هو قوة حقيقية تتطلب نضجاً عاطفياً وحكمة عملية. عندما نتغاضى عن أخطاء الأقربين، نحن نختار الحب على الكبرياء، والعلاقة على الانتقام.

فوائد التغاضي في العلاقات

  • يحفظ الود: التدقيق في كل زلة صغيرة يقتل جمال العلاقة.

  • يبني الثقة: عندما يشعر الآخر بأنك تتجاوز عن هفواته، يزداد شعوره بالأمان.

  • يُقلل التوتر: التركيز على الأخطاء الصغيرة يسبب ضغطاً للطرفين.

  • يُظهر النضج: التغافل عن بعض الأمور يدل على سعة الأفق ورجاحة العقل.

“العاقل من تغافل عن كثير مما يعلم، وتناسى كثيراً مما يذكر” — علي بن أبي طالب رضي الله عنه

حكمة التغافل: متى نتغاضى ومتى نواجه؟

التوازن هو المفتاح في تطبيق هذه الحكمة. ليس كل موقف يستدعي التغاضي، وليس كل خطأ يستحق المواجهة.

 الحالة المثال الأفضل فعله
هفوة عابرة غير متكررةتأخر بسيط، نبرة حادة لمرة واحدةالتغاضي مع إشارة ودية لاحقاً
خطأ متكرر يسبب أذىإلغاء مواعيدك دائماًعتاب واضح وحدود متفق عليها
مساس بالقيم أو الاحترامتجريح، استغلال، استهزاءإيقاف فوري وإعادة تعريف العلاقة
سوء فهم قابل للتصحيحرسالة فُسرت خطأتوضيح سريع وتغاضي كريم

كيف تمارس التغاضي بذكاء عملي؟

لكي لا يتحول التغاضي إلى تراكم مؤذٍ، اتبع هذه الخطوات:

  1. حدد النية: هل هدفك حفظ الود أم الهروب من المواجهة؟

  2. اضبط التوقعات: ضع حدوداً واضحة لما يمكن التغاضي عنه.

  3. اختر توقيتك: العتاب وقت الصفاء أنفع من وقت الغضب.

  4. استخدم لغة “أنا”: لتجنب الدفاعية واللوم.

  5. كافئ التحسن: الامتنان عند التغير يعزز السلوك الجيد.

أثر الرفيق: اختيار الصحبة الصالحة وصيانتها

الصحبة الصالحة كنز لا يقدر بثمن، لكنها تحتاج إلى وعي وصيانة مستمرة.

مبادئ الحفاظ على الصحبة الصالحة

  • كن متسامحاً: الأصدقاء بشر يخطئون مثلك.

  • ركز على الإيجابيات: تذكّر ما جمعكما لا ما فرّقكما.

  • تجنب العتاب الدائم: الإفراط في اللوم يقتل المحبة.

  • ضع حدوداً واضحة: التغاضي لا يعني قبول الإساءة.

التوازن بين التسامح والحزم

بينما يدعونا المثل إلى التغاضي، من المهم أن نعرف حدوده.

لا تتغاضَ عن:

  • الأذى المتعمد والمتكرر

  • التجاوز على كرامتك أو احترامك

  • غياب الندم أو التغيير بعد التنبيه

خاتمة: السهم والهدف في رحلة الحياة

في النهاية، يذكّرنا المثل بأن العلاقات الإنسانية ليست مسابقة دقة في الرماية، بل رحلة نتعلم فيها، نخطئ ونصحح المسار معاً. كما أن الرامي الماهر لا يتوقف عن الرمي لأنه أخطأ الهدف مرة، كذلك لا نتخلى عن الأصدقاء الحقيقيين لمجرد خطأ واحد.

قرينك سهمك، وأنت الرامي الحكيم الذي يعرف متى يسامح ومتى يعاتب. فلنجعل من فن التغاضي جسراً يربط القلوب رغم اختلاف الطباع.


لمزيد من الحكم والأمثال التي تُثري حياتنا، تابعونا على www.pictwords.com