سيدة عربية شابة ترتدي الحجاب تعمل على حاسوب محمول وتدوّن الملاحظات بابتسامة هادئة، تمثل ريادة الأعمال والإبداع.

مي مدحت: من فكرة إلى قدرة

في عالمٍ مليء بالتحديات والفرص، تظهر شخصيات استثنائية تُجسّد قوة الإرادة والعزيمة. من بين هذه الشخصيات، تبرز مي مدحت، رائدة الأعمال المصرية التي انطلقت من فكرة بسيطة ونجحت في تحويلها إلى إمبراطورية تكنولوجية عالمية. بخطوات واثقة وجهود متواصلة، أثبتت مي حضورها في مجال ريادة الأعمال النسائية وأصبحت نموذجًا يُحتذى به.

البداية: حلم يتحول إلى واقع

في البداية، حصلت مي مدحت على شهادة الهندسة من كلية الهندسة بجامعة عين شمس كمهندسة كمبيوتر. لكنها حملت في قلبها حلماً كبيراً يتجاوز حدود العمل التقليدي. بدلاً من الاستسلام لروتين الوظيفة المعتادة، اتخذت قراراً جريئاً بأن تسلك طريقها الخاص. وهكذا، أصبحت خطوتها هذه مثالاً جريئاً في مجتمع لا يزال يشكك في قدرات المرأة على قيادة الأعمال التكنولوجية.

في البداية، انطلقت رحلتها المهنية كمهندسة برمجيات في شركة “Right Group” بين عامي 2010 و2011. كما أنها عملت سابقاً في شركة “OTIMI” بين 2009 و2010. مع ذلك، اعتبرت هذه الوظائف مجرد محطات في رحلتها الحقيقية نحو تحقيق حلمها الأكبر.

إيفنتوس: الفكرة التي غيرت كل شيء

مي مدحت: Eventtus

في عام 2011، أسست مي مدحت شركة “إيفنتوس” (Eventtus) استجابة للحاجة الملحة لحلول مبتكرة في مجال إدارة الفعاليات. لكن الأمر المثير للاهتمام أنها لم تكن تعلم آنذاك أن هذه الفكرة البسيطة ستصبح جسراً يربطها بأعظم الشخصيات في العالم.

ما هو إيفنتوس؟

إيفنتوس هو تطبيق ذكي مصمم لإدارة الفعاليات والأحداث الاجتماعية. إضافة إلى ذلك، يقدم التطبيق مجموعة من الخدمات المتطورة:

أولاً، يوفر إدارة شاملة للفعاليات حيث يساعد منظمي الأحداث على تنسيق فعالياتهم بطريقة احترافية. ثانياً، يتيح التفاعل المباشر بين المشاركين وبعضهم البعض ومع منظمي الحدث. ثالثاً، يوفر إمكانية البث المباشر للأحداث لنقلها للجمهور. أخيراً، يقدم التسويق الذكي الذي يساعد في الوصول لأكبر عدد من المهتمين والمتابعين.

بالرغم من أن الفكرة بدت بسيطة في جوهرها، إلا أن التنفيذ تطلب رؤية واضحة وإصراراً لا يلين. لذلك، تولت مي مدحت منصب الرئيس التنفيذي للشركة، وأصبحت الوجه الأبرز لهذا المشروع الطموح.

التحديات والانتصارات

التحدي الأول: نموذج العمل

في البداية، واجهت مي مدحت تحدياً كبيراً في مشوارها، حيث ركزت الشركة في البداية على المستخدمين النهائيين (B2C). مع ذلك، أدركت بمرور الوقت أن الشركات ومنظمي الفعاليات هم الذين يدفعون مقابل الخدمة. نتيجة لذلك، اتخذت قراراً بتغيير نموذج العمل ليصبح (B2B).

بالطبع، لم يكن هذا التحول سهلاً، حيث قضت مي وفريقها وقتاً طويلاً في جمع التعليقات والنصائح من المستخدمين حول التصميم والأداء الوظيفي. كما أنهم واصلوا تطوير التطبيق ليتماشى مع احتياجات المستخدمين. علاوة على ذلك، عملوا على إنشاء نسخ أفضل وأفضل، رغم المعاناة المالية التي واجهوها.

التحدي الثاني: الاعتراف الدولي

في عالم التكنولوجيا، يُعتبر الحصول على الاعتراف الدولي مهمة صعبة، خاصة للشركات الناشئة من العالم العربي. مع ذلك، نجحت مي مدحت في تجاوز هذا التحدي بفضل جودة منتجها وقدرتها على التسويق الذكي.

اللحظة الذهبية: القمة العالمية لريادة الأعمال

في عام 2016، حدث تغيير جذري في مسار حياة مي مدحت. حيث تلقت دعوة للمشاركة في القمة العالمية السابعة لريادة الأعمال في وادي السيليكون. أكثر من ذلك، وجدت نفسها تجلس بين أهم شخصيتين في العالم: الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ومؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ.

كلمات أوباما التي غيرت كل شيء

عندما قدم الرئيس أوباما مي مدحت للحضور، قال: “مي مدحت من مصر، هي مهندسة كمبيوتر، بدأت شركة باسم ‘إيفنتس’، المختصة في تقديم الدعم للأشخاص الذين يعملون في تنظيم الفعاليات”. بناءً على ذلك، حملت هذه الكلمات البسيطة معنى عميقاً، حيث أشادت بقدرة الشباب العربي على الإبداع والابتكار في مجال التكنولوجيا.

في الحقيقة، لم تكن هذه المشاركة مجرد حضور، بل كانت بمثابة ختم دولي على نجاح مشروع مي مدحت. نتيجة لذلك، ظهرت على غلاف مجلة فوربس، وهو إنجاز نادر لرائدة أعمال عربية شابة.

الإنجازات والتقدير

الاستحواذ العالمي

مي مدحت. الاستحواذ

في عام 2021، حققت مي مدحت إنجازاً آخر يُضاف إلى سجلها الحافل. حيث استحوذت شركة Bevy الأمريكية على إيفنتوس، وهو ما يُعتبر نجاحاً باهراً للشركة المصرية. علاوة على ذلك، لم يكن هذا الاستحواذ مجرد صفقة تجارية، بل كان اعترافاً دولياً بقيمة الابتكار التكنولوجي المصري.

المشاريع الجديدة

بعد ذلك، لم تتوقف مي مدحت عند إيفنتوس، بل واصلت مسيرتها الريادية بتأسيس شركة جديدة تُدعى “جيني إيه آي” (Genie AI). هذه الشركة تركز على تحسين مكالمات المبيعات باستخدام الذكاء الاصطناعي. بالتالي، يُظهر هذا قدرتها على التكيف مع التطورات التكنولوجية الحديثة ورؤيتها المستقبلية.

دروس مستفادة من رحلة مي مدحت

الدرس الأول: قوة الإيمان بالفكرة

في البداية، بدأت مي مدحت بفكرة بسيطة، لكن إيمانها العميق بهذه الفكرة وقدرتها على تطويرها باستمرار كانا السبب وراء نجاحها. بالتالي، في عالم ريادة الأعمال، الفكرة وحدها لا تكفي، بل يجب أن تقترن بالإصرار والعمل الدؤوب.

الدرس الثاني: أهمية التطوير المستمر

في الواقع، نجاح إيفنتوس لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة لعملية تطوير مستمرة استغرقت سنوات. حيث إن مي مدحت وفريقها لم يتوقفوا عند النسخة الأولى من التطبيق، بل واصلوا العمل على تحسينه وفقاً لاحتياجات المستخدمين.

الدرس الثالث: الجرأة في اتخاذ القرارات

بالإضافة إلى ذلك، كان تغيير نموذج العمل من B2C إلى B2B قراراً جريئاً، لكنه كان ضرورياً لاستمرار الشركة. لذلك، نستنتج أهمية المرونة في عالم الأعمال والقدرة على التكيف مع المتغيرات.

تأثير مي مدحت على ريادة الأعمال النسائية

كسر الحواجز

في مجتمع يعتبر التكنولوجيا مجالاً ذكورياً، نجحت مي مدحت في كسر هذه الصورة النمطية. علاوة على ذلك، فتح نجاحها الباب أمام العديد من الشابات العربيات للدخول في هذا المجال دون خوف أو تردد.

الإلهام للأجيال القادمة

بالإضافة إلى ما سبق، تُعتبر قصة مي مدحت مصدر إلهام للعديد من الشابات اللواتي يحلمن بدخول عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال. كما أن نجاحها يُثبت أن الحلم يمكن أن يتحول إلى واقع بالعمل الجاد والإصرار.

التأثير على المجتمع التكنولوجي العربي

رفع مستوى الطموح

من جهة أخرى، رفع نجاح مي مدحت وحصولها على الاعتراف الدولي مستوى الطموح لدى رواد الأعمال العرب. نتيجة لذلك، أصبحوا يدركون أن الوصول للعالمية ليس مستحيلاً، بل هو هدف قابل للتحقيق.

جذب الاستثمارات

بناءً على ذلك، تساعد قصص النجاح مثل قصة مي مدحت في جذب الاستثمارات الدولية للمنطقة العربية. حيث يبحث المستثمرون الأجانب عن الفرص الواعدة، ومن خلال هذه النجاحات تَظهر إمكانيات السوق العربي.

الخلاصة: من فكرة إلى قدرة

رحلة مي مدحت تجسّد كيف تتحول الفكرة البسيطة إلى قدرة فعلية تصنع فرقًا حقيقيًا في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود، لكنها اختارت المضيّ رغم العقبات، مستندة إلى الإصرار، والاجتهاد، والقدرة على التعلّم المستمر.

اليوم، تُجسّد مي مدحت صورة المرأة العربية التي لا تكتفي بالحلم، بل تصنعه. يظهر من خلال قصتها أن البداية المتواضعة ليست عائقاً لمن يسير بخطى واثقة وإيمان راسخ. فالنجاح لا يرتبط بحجم الانطلاقة، بل بقوة الإرادة على الاستمرار.

وفي زمن تتسارع فيه التحوّلات التقنية، تبقى قصص مثل قصة مي منارات ملهمة للشباب العربي. الحلم العربي في التكنولوجيا لم يعد مجرد خيال… بل أصبح واقعًا يكتبه من يؤمن بقدراته ويعمل بجد لتحقيق رؤيته.


هذا المقال جزء من سلسلة قصص النجاح العربية، حيث نُسلط الضوء على رواد الأعمال الذين استطاعوا تحويل أحلامهم إلى واقع ملموس.